ميدان السبعين.. مرآة تكشف معاناة اليمنيين تحت حكم ميليشيات الحوثي
ميدان السبعين.. مرآة تكشف معاناة اليمنيين تحت حكم ميليشيات الحوثي
شهد ميدان السبعين الواقع في قلب العاصمة صنعاء، في الماضي لحظات من الوحدة الوطنية والتلاحم الشعبي، لكنه تحول اليوم إلى منصة دائمة لميليشيات الحوثي، حيث يعكس هذا الميدان صورة باهتة لحقيقة ما يجري خلف الاستعراضات الجماهيرية.
وبينما يتم تصوير الفعاليات التي تُنظم في ميدان السبعين على أنها تجسيد للوحدة الشعبية والدعوة إلى المزيد من الانتصار في "المعركة المقدسة" التي تقودها ميليشيات الحوثي ضد ما يسميه قادتها "العدو الخارجي"، يكمن وراء هذه الفعاليات واقع مأساوي يعاني منه المواطن اليمني في ظل سيطرة ميليشيات الحوثيين.
حسب تقرير الأمم المتحدة الصادر في عام 2023، يعاني نحو 80% من السكان في المناطق التي تسيطر عليها ميليشيات الحوثي من الفقر المدقع والمجاعة، مما يعكس حجم الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها اليمن.
تداولت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة فيديو لرجل يمني أحرق نفسه، في ميدان السبعين احتجاجًا على قيام ميليشيات الحوثي بنهب أراضٍ تابعة له.
هذا الحادث، رغم بشاعته، لا يعد حالة استثنائية في واقع اليمن اليوم، ففي ظل الظروف الاقتصادية المأساوية التي يمر بها المواطنون في المناطق التي يسيطر عليها ميليشيات الحوثيون، أصبح اليأس يسيطر على الكثيرين ممن يعانون من الفقر المدقع والجوع.
ملايين تحت خط الفقر
ووفقًا لموقع "مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية"، يعيش 24 مليون يمني تحت خط الفقر، ويواجه أكثر من 18 مليون شخص حالة من انعدام الأمن الغذائي.
وتزايدت حالات الانتحار بين الشباب اليمني في العاصمة صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرة ميليشيات الحوثيين، في وقت لم تُصدر فيه الجهات المعنية أي إحصائيات رسمية توضح الأعداد الحقيقية لهذه الظاهرة.
وفي الوقت نفسه، استمرت قيادة ميليشيات الحوثي في تشديد قبضتها على كل شيء، من المال إلى الأراضي، في محاولة لتعزيز سلطتها، مما يزيد من حجم الإحباط بين المواطنين الذين يشعرون أن هذا النظام يستنزف مواردهم في استعراضات إعلامية لا تنتهي.
في تقرير صادر عن منظمة "هيومن رايتس ووتش" لعام 2023، أشار إلى أن ميليشيات الحوثيين يمارسون قمعًا متزايدًا ضد أي محاولة للاحتجاج أو مقاومة سلطتهم، بما في ذلك اعتقال الصحفيين والنشطاء الحقوقيين.
وعلى الرغم من أن ميليشيات الحوثيين يحاولون تصوير ميدان السبعين كمكان للمشاركة الجماعية التي تعكس قوة الشعب اليمني في وجه "العدو"، فإن هذا الميدان أصبح بمثابة مسرح لعرض القوة العسكرية والاستعراضات التي تخفي وراءها صور المعاناة اليومية التي يواجهها الناس في شوارع صنعاء.
تزييف الواقع
ولجأت ميليشيات الحوثي، التي تسيطر على العاصمة منذ عام 2014، إلى هذه الاستعراضات كوسيلة لخلق صورة إعلامية عن الشعب المتماسك، في محاولة لتغطية على الحقائق المرة التي يعيشها المواطن اليمني بحسب تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" في 2023، حيث تشمل ممارسات ميليشيات الحوثيين القمع المتزايد للمعارضة والسيطرة الكاملة على الإعلام، مما يعزز من تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم.
وتشير الأرقام إلى أن ما يقارب 70% من سكان صنعاء يعانون من أزمات اقتصادية خانقة بسبب الانخفاض الحاد في مستوى الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والصحة، هذه الأوضاع دفعت العديد من المواطنين إلى الاحتجاجات التي في بعض الأحيان تتخذ شكلًا متطرفًا مثل الانتحار، كما في حالة المواطن الذي أضرم النار في نفسه.
ونتج هذا الشعور بالعجز واليأس عن غياب أي مسعى حقيقي من قبل ميليشيات الحوثيين لتحسين الأوضاع المعيشية في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، بينما تواصل الميليشيات تضييق الخناق على أي محاولات للمقاومة، سواء كانت سياسية أو اقتصادية، ويظهر ذلك جليًا من خلال القمع العنيف ضد أي مظاهر للمعارضة.
وفقًا لتقرير منظمة "أطباء بلا حدود" في 2023، فإن العديد من المرافق الصحية في المناطق الخاضعة لسيطرة ميليشيات الحوثيين لم تعد قادرة على تقديم الرعاية الأساسية بسبب نقص الموارد والمعدات الطبية.
وحينما تنظم ميليشيات الحوثي استعراضاتها في ميدان السبعين، تسعى إلى بعث رسائل بأنهم يسيطرون على الوضع، وأن الشعب اليمني يقف معهم في خندق واحد ضد "العدو" الخارجي لكن في الواقع، وراء هذا المشهد العسكري المكثف والرسائل الإعلامية، تتزايد مظاهر الضعف والفقر، ولا شيء في أفق الوضع السياسي يشير إلى تحسن قريب، بل إن معاناة الشعب اليمني تتفاقم يومًا بعد يوم نتيجة لتفاقم الفساد داخل أوساط ميليشيات الحوثي.
وأكدت تقارير صادرة عن منظمات حقوقية دولية أن ميليشيات الحوثي قد استولت على العديد من الممتلكات الخاصة والعامة، بما في ذلك أراضٍ خصبة ومنازل لمواطنين حرموا من حقوقهم الأساسية، ووفقًا لتقرير "المرصد اليمني لحقوق الإنسان" في 2023، أشار إلى أن أكثر من 40% من الأراضي الزراعية في المناطق التي تسيطر عليها ميليشيات الحوثي قد تم الاستيلاء عليها من قبل أفراد مقربين من الجماعة.
أما في جانب التنمية الاقتصادية، فيُلاحظ أن ميليشيات الحوثي قد تجاهلت تمامًا احتياجات الناس، وبدلاً من تحسين الوضع الاقتصادي، واصلوا بناء إمبراطورياتهم العقارية، خصوصًا في المناطق التي يسيطرون عليها، في وقت يشتد فيه الفقر وتستمر معاناة الملايين.
وتشير تقارير الأمم المتحدة 2023، إلى أن هناك عمليات نهب منظم لموارد الدولة، خاصة عبر "هيئة الأوقاف"، التي تسيطر على العديد من الممتلكات والعقارات في صنعاء، بما في ذلك أراضٍ زراعية وأحياء سكنية كانت في السابق ملكًا للمواطنين، يتم الآن نقل ملكيتها لصالح القيادات الحوثية هذه السياسات أضعفت قدرة الناس على العيش بكرامة، وأدت إلى مزيد من التوترات الاجتماعية.
وفي ذات الوقت، تتزايد حالات الاحتجاج السلمي ضد هذه السياسات في مختلف المناطق التي تسيطر عليها ميليشيات الحوثي، لكن الحركات الاحتجاجية غالبًا ما تُقمع بشدة، ويواجه المشاركون في هذه الاحتجاجات تهديدات بالاعتقال والتعذيب مثل هذه السياسات القمعية لم تزد اليمنيين إلا إصرارًا على مقاومة ما يصفونه بـ"الاحتلال الداخلي" للحوثيين، الذين لا يبدو أنهم مستعدون للتنازل عن نفوذهم أو تغيير سياساتهم القمعية.
استهداف الصحفيين
وفقًا لتقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش" لعام 2023، فإن الحوثيين قد استهدفوا الصحفيين والنشطاء الحقوقيين الذين حاولوا فضح الانتهاكات التي تمارسها الجماعة.
ولكن بعيدا عن الاستعراضات العسكرية في ميدان السبعين، هناك صور أخرى للمعاناة التي يخفيها الإعلام الحوثي، فقد أظهرت الأمم المتحدة حول اليمن أن العديد من الأسر اليمنية فقدت أراضيها وعقاراتها بسبب سياسات التهجير القسري التي مارستها الميليشيات، كما أن الحوثيين قد فرضوا رسوماً وضرائب غير قانونية على العديد من الأنشطة التجارية، مما جعل الحياة أكثر صعوبة. وفي بعض الحالات، أجبر العديد من التجار على إغلاق متاجرهم أو تسليم جزء من أرباحهم للحوثيين كجزء من الجبايات التي تُفرض عليهم.
وتزيد هذه السياسات من سخط المجتمع، الذي يشعر بشكل متزايد أن ميليشيات الحوثيين لا يمثلونهم، بل أنهم أصبحوا عبئًا إضافيًا على الشعب اليمني بينما يتم تصوير الحوثيين على أنهم مدافعون عن حقوق الناس، يزداد الواقع وضوحًا من خلال الاحتجاجات الفردية والانتحار، حيث يعد هذا النوع من التصرفات المأساوية نتيجة لانسداد الأفق وغياب أي أمل في تحسن الأوضاع وفقًا لتقرير منظمة "مراسلون بلا حدود" 2023، أشارت إلى أن الحوثيين قد استهدفوا الصحفيين والنشطاء الحقوقيين الذين حاولوا فضح الانتهاكات التي تمارسها الجماعة.
صرخات يائسة في وجه ميليشيات الحوثي
منذ سيطرة ميليشيات الحوثي على العاصمة صنعاء في عام 2014، تحول ميدان السبعين إلى رمز للسلطة الحوثية، إلا أن هذا الميدان، الذي كان يوماً مسرحًا للتجمعات الوطنية، أصبح أيضًا شاهدًا على احتجاجات فردية تنبع من المعاناة التي يعيشها المواطن اليمني تحت وطأة سيطرة الحوثيين.
أحدث هذه الحوادث وقعت في أواخر عام 2023، عندما أقدم أحد المواطنين على إضرام النار في جسده داخل أحد الأحياء الشعبية في العاصمة صنعاء، احتجاجًا على الأوضاع المعيشية المتدهورة.
المواطن الذي تعرض للحروق الشديدة، كان قد فقد مصدر رزقه نتيجة لممارسات ميليشيات الحوثي من فرض ضرائب وإتاوات على أصحاب المحلات التجارية والمزارعين، ما أجبره على اتخاذ خطوة يائسة للإعلان عن رفضه واستنكاره للأوضاع التي يمر بها، ورغم أن الحادث وقع في حي سكني بعيد عن ميدان السبعين فإن الفيديو الذي انتشر على منصات التواصل الاجتماعي سلط الضوء على الحالة الاجتماعية الصعبة التي يعيشها المواطنون في مناطق الحوثيين.
وفي صيف 2022، شهد ميدان السبعين حادثة احتجاجية من نوع آخر، حين أقدم أحد سكان محافظة عمران، الذي كان قد تعرض للظلم من قبل ميليشيات الحوثيين جراء مصادرة أرضه من قبل هيئة الأوقاف الحوثية، على تنظيم وقفة احتجاجية في قلب العاصمة هذا المواطن، الذي تنقل بين المكاتب الحوثية طيلة شهور في محاولات لاستعادة أرضه، لم يجد بدًا من الخروج إلى ميدان السبعين ليعبّر عن غضبه تجاه سياسة النهب التي تمارسها الميليشيات، وعلى الرغم من أن الوقفة كانت سلمية فإن ميليشيات الحوثي تدخلت على الفور، واعتقلت المحتجين وأعادت الأمور إلى مسارها دون أن تُسمح لهم بإيصال صوتهم.
وفي عام 2021، شهد ميدان السبعين حدثًا مشابهًا، والذي تمثل في أولى الاحتجاجات التي اندلعت بسبب الأوضاع الاقتصادية التي تفاقمت نتيجة لسياسات الميليشيات الحوثية وقام مجموعة من المواطنين بالتظاهر في الميدان، احتجاجًا على سياسات الحوثيين الاقتصادية التي أدت إلى تدمير الاقتصاد الوطني وارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل غير مسبوق.
وقوبلت هذه الاحتجاجات بالترهيب والتهديد من قبل الميليشيات، لتصبح أولى إشارات الاحتقان الشعبي في صنعاء ضد ميليشيات الحوثي، وبرزت كدلالة على رفض المواطنين لهذه السياسات التي لا تأخذ بعين الاعتبار معاناتهم اليومية.
وفي عام 2019، شهد ميدان السبعين واحدة من أبرز الحوادث الاحتجاجية التي خرج فيها المواطنون للمطالبة بحقوقهم في ظل تدهور الأوضاع المعيشية، فقد نشبت احتجاجات جماعية نتيجة لارتفاع أسعار الوقود بسبب قرارات ميليشيات الحوثيين برفع الدعم عنها، مما أثر بشكل كبير على حياة الناس خرج المئات إلى الميدان مطالبين بإلغاء الزيادة في أسعار المحروقات، وقد قوبل هذا التحرك السلمي بالقمع من قبل ميليشيات الحوثي، حيث تم استخدام القوة المفرطة لتفريق المتظاهرين، ما أسفر عن إصابات عديدة.
هذه الحوادث المتتالية تظهر أن السخط على ميليشيات الحوثي قد تفجر في كل مرة تتدهور الأوضاع المعيشية أو تُمارس سياسات قمعية، حيث لا يجد المواطنون سوى ميدان السبعين كمنصة للاحتجاج… ورغم الملاحقات الأمنية في الوقت الذي تستمر فيه ميليشيات الحوثي في استغلال هذا الميدان لإظهار قوتها وتنظيم تظاهرات تأييد لسياساتها، فإن الاحتجاجات الفردية التي شهدها الميدان في السنوات الأخيرة تظل دليلًا على أن الشعب اليمني لا يزال يرفض هذه السياسات ويريد التغيير.
مرآة لمعاناة اليمنيين
وقال وكيل وزارة الصحة باليمن الأسبق، شوقي الشربجي، إن حياتنا تحولت إلى سلسلة من المآسي التي تزداد عمقًا مع مرور الأيام ميدان السبعين، ذلك المكان الذي كان يومًا ما ساحة للاحتفالات والمناسبات الوطنية، أصبح الآن شاهداً على واقعنا البائس، ففي هذا الميدان تحديدًا، تتجسد معاناتنا وتضاف إليها صرخات لا يُسمع صداها، حيث أصبح ساحة للاحتجاجات الفردية ضد الحوثيين، تنديدًا بتدهور الأوضاع المعيشية التي فاقت قدرتنا على الاحتمال.
وتابع الشربجي، في تصريحات لـ"جسور بوست": كنت قد سمعت عن حادثة مؤلمة وقعت في هذا الميدان، حين أقدم أحد المواطنين على إحراق نفسه احتجاجًا على تردي الوضع المعيشي، شعرت بالقشعريرة وأنا أسمع تفاصيل الحادثة هذا المواطن، مثل غيره من مئات الآلاف من اليمنيين، فقد كل شيء؛ فقد الأرض، والمأوى، والمستقبل، كان يعتقد أن بإمكانه إنقاذ حياته عبر هذه الوسيلة المأساوية، وهي صرخة لا يمكن لأي قلب أن يتحملها في هذه اللحظات، لا أعرف هل أنعى الفعل ذاته، أم أنني أندب حظنا جميعًا بعدما اجتمعنا في الفخ نفسه الذي وضعنا فيه الحوثيون.
ومع ذلك، هذا ليس الحادث الوحيد، قد تكون هذه الحادثة قد صدمت الكثيرين لكن الحقيقة هي أن ميدان السبعين أصبح مسرحًا دائمًا لهذه الاحتجاجات الفردية والعفوية ضد الجماعة التي تسيطر على صنعاء وتفرض سلطتها الحديدية، ففي الأعوام الأخيرة، تزايدت حالات الانتحار في صفوف الشباب بسبب الظروف الاقتصادية التي تعصف بالبلاد يتزايد الفقر، ويفقد الناس الأمل في المستقبل، بينما يواصل الحوثيون تعيين أتباعهم في المناصب، ونهب الأراضي، وبناء الإمبراطوريات العقارية على حساب معاناة شعب بأسره.
واسترسل: لا تقتصر هذه الاحتجاجات على الحوادث التي يشعل فيها المواطنون النار في أنفسهم، بل أصبحت هناك علامات من اليأس في كل زاوية من صنعاء، فميليشيات الحوثيين التي تدّعي تمثيل الشعب والمطالبة بحقه، تواصل فرض الضرائب، ونهب الأموال، والسيطرة على الأراضي، وفي الوقت نفسه، يكتوي المواطن بنيران الأسعار المرتفعة، وتفشي البطالة، وتدهور الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء مع كل يوم يمر، يصبح الميدان مكانًا يشهد على همسات الناس حول معاناتهم، وصرخاتهم التي لا يسمعها أحد.
وتابع: لقد كنت أستمع إلى قصص عديدة، من أقاربي وجيراني، عن كيف أن العائلات تفقد مصادر رزقها بسبب سياسات الحوثيين التي تقود إلى تجريف الأرض ونهب المحاصيل، لم يعد هناك أفق حقيقي للمستقبل، فالناس هنا يعيشون في حالة من الانتظار الطويل، ينتظرون المساعدة من الجمعيات الخيرية أو من أفراد محسنين، بينما لا يراهم الحوثيون إلا كأدوات يمكن استخدامها لتحقيق أهدافهم السياسية والعسكرية.
وأشار في أسى إلى أن ميدان السبعين أصبح محض خيبة أمل، فهو لا يعكس أي صورة مشرقة لمستقبل اليمن، بل هو تجسيد للمأساة المستمرة التي يعيشها اليمنيون، حيث لا نسمع سوى أصوات الجعجعة والتصريحات الخالية من المحتوى، بينما نغرق نحن في صمت عميق، نواجه قسوة الحياة التي فرضتها هذه الجماعة، لكن رغم كل ذلك، فإن هناك شعورًا مشتركًا بيننا، ذلك الشعور بأننا مهما طال الزمن لا بد أن تأتي لحظة يندثر فيها هذا الظلم.
وأتم: ما يقلقني هو كم من الناس سيظلون يفقدون حياتهم في هذه المسيرة التي لا يبدو أن لها نهاية.
صرخات يائسة وحقوق منهوبة
وقال الخبير الحقوقي عبد الله زوايده إن الأوضاع الإنسانية في اليمن تُعد من بين الأسوأ على مستوى العالم، حيث تزداد معاناة المواطنين يوماً بعد يوم بسبب الحرب المستمرة منذ سنوات، وفي ظل هذه الأزمة نجد أن العديد من اليمنيين، الذين وجدوا أنفسهم محاصرين بين صراع القوى المختلفة، قد أصبحوا في مواجهة مباشرة مع أزمات حياتية خانقة، تضاف إلى هذه الأوضاع عوامل أخرى كالفقر المدقع، وانعدام الأفق الاقتصادي، وغياب العدالة الاجتماعية، ما يدفع البعض إلى اتخاذ قرارات يائسة، تصل في بعض الأحيان إلى حرق أنفسهم كوسيلة احتجاج.
وتابع زوايدة، في تصريحات لـ"جسور بوست": الحوادث الأخيرة تعكس حقيقة قاسية تؤكد أن الفرد اليمني أصبح يواجه تحديات غير إنسانية هؤلاء الناس، الذين فقدوا الأمل في الحصول على حقوقهم الأساسية، باتوا يشعرون بالعجز عن تغيير واقعهم المرير، تلك الحوادث تعكس خللاً جوهرياً في حماية حقوق الإنسان في اليمن، حيث يغيب أي شكل من أشكال العدالة الاجتماعية والاقتصادية وعلى الرغم من أن اليمن يلتزم في اتفاقياته الدولية بحقوق الإنسان، فإن الوضع الراهن يشير إلى تدهور شديد في تطبيق هذه الحقوق، وفقاً للمادة الـ3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، "لكل فرد الحق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه"، ولكن الواقع اليمني يخالف هذا الحق في العديد من جوانبه، خاصة في ظل غياب الأمن الاجتماعي والاقتصادي.
واسترسل: الحق في الحياة هو من أبسط حقوق الإنسان، وهو يشمل حق الأفراد في العيش في بيئة خالية من العنف والفقر لكن في اليمن، يجد المواطنون أنفسهم محاصرين بين مطرقة الحرب وسندان الفقر ووفقاً لتقرير الأمم المتحدة لعام 2023، يعاني أكثر من 80% من اليمنيين من نقص حاد في الغذاء، ويعيش ملايين الأشخاص في ظروف غير صحية تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، مع هذا الوضع المأساوي، يصبح انتحار الأفراد وحرقهم لأنفسهم احتجاجاً على واقعهم، صرخة يائسة لجذب الانتباه إلى معاناتهم المتزايدة.
وذكر: من جهة أخرى، فإن الحق في الحصول على العدالة والإنصاف لا يزال مفقوداً في اليمن، سواء كان ذلك بسبب السيطرة السياسية للمليشيات الحوثية أو نتيجة للاحتلال العسكري، فإن أياً من الأطراف المتحاربة لم يلتزم بحماية حقوق المدنيين، في المقابل، نجد أن بعض الأطراف المسلحة تستغل موارد الدولة لمصالح شخصية، مما يعمق من معاناة المواطنين.. إنّ غياب النظام القضائي المستقل وغير المتحيز يؤدي إلى تهديد أساسي لحياة الناس وحقوقهم الأساسية.
وأكد أنه من الأهمية بمكان أن يتذكر الجميع أن كل مواطن في اليمن له الحق في الحصول على حياة كريمة، ومستقبل أفضل خالٍ من الإكراهات السياسية والاجتماعية، إذ تقتضي المبادئ الإنسانية الأساسية أن يتمتع الجميع بحقوقهم الأساسية دون تمييز أو ظلم، إلا أن الواقع اليمني حالياً يُظهر عكس ذلك تماماً، ويبقى السؤال الأبرز هو: متى ستتوقف هذه الحروب والمعاناة؟ ومتى ستُحترم حقوق الإنسان في اليمن بشكل فعلي لا مجرد شعارات؟
وأتم: في خضم هذه المأساة من الضروري أن تتكاتف الجهود الدولية والمحلية لضمان حقوق الإنسان الأساسية لكل يمني، وإعادة بناء الدولة على أسس العدالة والمساواة، بما يضمن كرامة المواطنين وحمايتهم من كل أشكال العنف والاستغلال.